/ الفَائِدَةُ : (43) /
18/04/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / إِستنباطات أَهل المعرفة / ينبغي الاِلتفات : أَنَّ جُلَّ استنباطات أَهل المعرفة مبتنية على استنباطات ذوقيَّة وبالْعِلْمِ الذَّوقي ، مستفادة من بيانات الوحي ، وليست متابعة لمكاشفاتهم ورياضاتهم الخاصَّة(1). وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يجدر الاِلتفات في المقام إِلى الأَمرين التَّاليين : الأَوَّل : أَنَّ لكثير من أَصحاب الرِّياضات الرُّوحيَّة ـ في بلاد الهند والصين وما شاكلهما ـ القدرة على قراءة الضمائر والخواطر ، والإِخبار عن مِلَفَّات أَعمال الإِنسان وما يجيش في دخيلته ، ولديهم القدرة أَيضاً على طي الأَرض والمشي على الماء ، بل وفي الهواء وما شاكل ذلك ، لكن هذه وأَشباهها ونظائرها وإِنْ كانت أَعمال خير ورحمة ، لا تكشف ولا تدلُّ على صلاح المرتاض ورِضَىٰ الباري عَزَّ وَجَلَّ عنه ؛ لاحتمال أَنْ يكون ما مُتِّعَ به من باب الاستدراج . فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بیان قوله جلَّ قوله المقتص لخبر عرش بلقيس : [قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ] [النمل: 38ـ40]. 2ـ بیان قوله عزَّ من قائل : [إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ] [الأَعراف: 155]. 3ـ بيان قوله عزَّ قوله : [وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى] [طه: 131]. 4ـ بيان قوله عَزَّ وَجَلَّ : [وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ] [العنكبوت: 3]. ودلالة الجميع واضحة . ثُمَّ إِنَّ رِضَىٰ الله تبارك وتعالىٰ : نظام منظومي طويل الذيل ، وبعيد المدىٰ . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي الْأُخْرَى ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله عزَّ ذكره : [يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ] [الانشقاق: 6]. ثانیاً : بيان سيِّد الأَنبياء في وصيَّته لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما وعلى آلهما : «يا عَلِيّ ، إِنَّ هذا الدِّين متين فأَوغل فيه برفق ...». بحار الأَنوار، 68: 213 ـ 214/ح8. الكافي، 2: 87. / كُلُّ رياضةٍ لا ترتبط بالسَّاحة الإِلٰهيَّة فلابُدَّ من ارتباطها بالْجِنِّ والأَبالسة / الثَّاني : هناك ضابطة وقاعدة معرفيَّة مُسلَّمة ، عظيمة وخطيرة جِدّاً أُشير إِليها في بيانات الوحي ينبغي صرف النَّظر إِليها ، وهي : «أَنَّ كُلَّ رياضةٍ روحيَّةٍ لا ترتبط بالله عَزَّ وَجَلَّ ولا برسوله صلى الله عليه واله ولا بأَوليائه عليهم السلام فلابُدَّ من ارتباطها ـ تلقائيّاً ـ بالْجِنِّ والأَبالسة، بل بعموم القوى الشريرة » . ثُمَّ إِنَّ الرِّياضة الروحيَّة منهاج لقوىٰ النَّفس الْعَمَلِيَّة فإِذا لم يُميَّز المنهج العبادي المرتبط بالله تعالىٰ وبرسوله وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فلابُدَّ من ارتطام السَّالك بمنزلقات خطيرة . بعد الاِلتفات : أَنَّ لكُلِّ قوَّةٍ من قوىٰ النَّفس ـ سواء كانت عِلْمِيَّة أَو روحيَّة أَو فكريَّة ـ مناهج سَوِيَّة وهادية ، ومناهج غَوِيَّة ومُرْدِية . وهذه المناهج غالباً ما يتلبَّس الْغَوِيُّ منها بمنهج السَّوِيّ ؛ فيقع حينئذٍ الخلط والاشتباه . بعد الاِلتفات أَيضاً : أَنَّه من السَّهل تمييز طبيعة أَفعال الإِنسان الجليَّة والمحسوسة والمُعلنة ، لكنَّه من الصَّعب بمكانٍ تمييز طبيعة أَفعاله الخفيَّة وغير المحسوسة ، مع أَنَّ ارتباطه بهذا النحو أَكثر من ارتباطه بذلك النحو ؛ لأَنَّ حركة وصدور الخفيَّة سريعة ومهولة جِدّاً فيصعب التَّحَكُّم فيها ، ولا طريق للتَّحَكُّم فيها إِلَّا طريق ولغة المُراقبة والمُحاسبة . وَمِنْ ثَمَّ يجب على الإِنسان التَّركيز دائماً على قواه غير المرئيَّة